المعلم العربي أين هو من عصر تقنية المعلومات؟!

 زكريا  يحيى لال

عرفت العملية التعليمية بالمعلم والتلاميذ والمنهج، و بعد هذه العناصر تدخل الوسائل التعليمية، والإدارة المدرسية،و أي عنصر منها له قيمة ومدلول وشأن يرتبط بنجاح عملية الاتصال الفعلية. ولعل هذه الإشارات إلى العناصر الخمسة تكاد تكون مكملة لبعضها بعضاً، إلا أن الواقع الفعلي لدى تعلم التلاميذ هي قدرة المعلم على تحقيق غرضين:
1- مهارة الاتصال بينه وبين التلاميذ.
2- مهارة معرفة المنهج عن طريق الإدراك والملاحظة والفهم.
وعن هذا الاتجاه نجد أن الوسيط هنا يدخل ضمن استعمال الوسائل التعليمية، أو التقنيات التربوية، وقد عرفت الوسائل التعليمية (التقنيات التربوية) بأنها تربط بين الإجراءات المتعلقة بالعملية التعليمية والأجهزة والأدوات التي تستخدم في مجال التعليم. وهذا التعريف جزء من بعض التعريفات الكثيرة التي قرأنا عنها في العديد من المراجع والمصادر.
أهمية الوسائل التعليمية
تشكل الوسائل التعليمية ميداناً واسعاً للتربية والتعليم رغم سوء الفهم وقلة الإدراك من بعض العاملين في حقل التربية والتعليم، حيث إن (الإلقاء) مازال هو المسيطر على كثير من المعلمين، وإلى جانب هذا نجد أن الحفظ هو الجانب المنعكس من الطلاب، والحقيقة أن صفة التفكير والبحث تكاد تخلو من الفصول الدراسية ماعدا المشاركات البسيطة جداً.
وقد عرفت الوسائل في مجال التربية والتعليم باسم (المعينات) أو معينات التدريس
Taching Aids، أو الوسائل السمعية والبصرية Audiovisual Aids وارتبطت بالمعلم لمجرد توضيح ما يصعب على الشرح النظري. ولم يكن هناك أي أساس علمي لإيضاح أهمية الاستعمال كتحسين الأداء أو اكتساب أنماط جديدة من السلوك أو الأهداف الخاصة.
وقد ازداد الاهتمام بالوسائل التعليمية بشكل أكبر من السابق منذ اكتشاف الجديد منها كالتليفزيون والأقمار الصناعية، والكمبيوتر، والفيديو، والفيديو دسك وشبكة الإنترنت، وغيرها. وأصبحت الوسائل جزءاً متكاملاً مع العناصر التي تكون عملية الاتصال. يقول د. حسين الطوبجي «ولا نغالي إذا قلنا إن أهمية الوسائل التعليمية لا تكمن في الوسائل بحد ذاتها ولكن فيما تحققه هذه الوسائل من أهداف سلوكية محددة ضمن نظام متكامل يضعه المعلم لتحقيق أهداف الدرس، ويأخذ في الاعتبار معايير اختيار الوسيلة أو إنتاجها وطرائق استخدامها ومواصفات المكان الذي تستخدم فيه، ونواتج البحوث العملية وغير ذلك من العوامل التي تؤثر في تحقيق أهداف الدرس، وبمعنى آخر يقوم المعلم باتباع أسلوب الأنظمة. فتكون الوسائل التعليمية عنصراً من عناصر نظام شامل لتحقيق أهداف الدرس وحل المشكلات.
مفهوم الاتصال في التعليم
يعرف الاتصال على أنه العملية التي يتم من خلالها انتقال المعرفة من فرد إلى آخر أو من مجموعة إلى أخرى. وبعد البحث والتجريب والملاحظة ندرك الهدف الذي يمكن أن يتحقق من خلال ذلك الانتقال، إذ إن عملية الاتصال دائرية تحدث داخل مجال أوسع يضم مختلف الظروف المحيطة بعملية الاتصال وتؤثر فيها (المرسل - الرسالة - المستقبل) ومن خلالها يتضح لنا أن قاعة الدرس هي أحد المجالات التي يتم فيها الاتصال بين الطلاب والمعلم، وأن العوامل الطبيعية وغيرها تؤثر على عملية الاتصال فندرك بعدها أن الحالة الصحية والنفسية للطالب تؤثر في عملية التعليم. ولهذا نجد أن عملية الاتصال تشكل حلقة شاملة لجميع الجوانب بدءاً من إعطاء الدرس للطلاب من قبل المعلم إلى الاهتمام بالوسائل التعليمية واستعمالها بدرجة صحيحة، بالإضافة إلى الوقوف على النواحي السلوكية داخل الفصل، فالمدرسة ما هي إلا جزء أساس لتلقي التعليم من قبل الطلاب، ولكنها تتطلب الاهتمام بجميع الجوانب الأخرى التي ينبغي أن يعرفها المعلم ليطابق عملية الاتصال من المدرسة إلى المنزل والعكس، وبينهما إدارة المدرسة والنشاطات، ومنها نجد أن عملية الاتصال تكون كالآتي:
أ- الاتصال بين فرد، وفرد آخر.
ب- الاتصال بين الإنسان والآلة.
جـ- الاتصال بين الآلة والآلة.
وهذه العمليات تحتاج إلى مهارة من قبل المعلم لكي يؤدي دوره المطلوب.
استخدام الوسائل وإنتاجها هل يحتاجان إلى مهارة؟
ثمة سؤال هو صميم المشكلة التي نتناولها هنا، فقد عرفنا على مر العصور دور المعلم، وأن أهمية دوره لا يمكن أن تكون فقط في الإلقاء، أو تقديم المعلومات للطلاب، إنما هناك شيء أساس يتقدم ما ذكرناه في البلديات ويتعلق هذا بالمهارات التي يملكها المعلم من خلال التدريب.
ورغم اختلاف وضع «المهارات» إلا أنه من الملاحظ أن المعلم منذ أن بدأ حياته في العالم العربي فهو لا يتقن سوى مهارة الإلقاء في أكثر شيء يجود به، علماً بأن هذا لا ينطبق على الجميع من المعلمين، إنما هناك شريحة برزت بشكل جيد، وأدت دورها بشكل جيد، وتعلمت بشكل جيد، ونجحت إلى أبعد الحدود في تحقيق ما يمكن أن يستفيد منه الطالب على اختلاف المراحل التعليمية التي مرت به.
إن العملية التعليمية ليست مجرد المعرفة أو المنهج الذي يطبقه المعلم داخل الفصل الدراسي، وإنما يتبع ذلك أغراض أخرى تتعلق بالاتصال، وإتاحة الفرصة للمشاركة، وتعميق العلاقة بين المعلم والتلاميذ، ودراسة الظروف النفسية والاجتماعية للتلاميذ... إلخ.
إن تعميق أثر العملية التعليمية يحتاج إلى زيادة حصة التدريب للمعلمين، ومن هذه القاعدة تزداد المهارة في مختلف جوانبها العملية والنفسية، والفكرية، والاجتماعية، والنظرية، والتطبيقية، وهذا ما يحتاج إليه المعلم بالفعل، وهو ما أثبته الكثير من الدراسات والأبحاث.
إن أهمية المهارات التي نبحث عنها في أداء المعلم لا تختلف عن أهمية احتياجنا للمناهج التي تتواكب مع ظروف مواجهات القرن الحادي والعشرين، ولعل هذا ما يثار خلال هذه الأيام من خلال المؤتمرات واللقاءات والندوات التي تبحث عن الجديد!
فإذا كنا في السابق ندرك تماماً أن استخدام الوسائل التعليمية من قبل المعلم عانت ولا تزال تعاني قصوراً كبيراً، وكانت عملية الإنتاج للوسائل التعليمية أقل نصيباً من عملية الاستخدام إلا أننا بصدد البحث حالياً عن أهمية وجود من ينتج؟!
بل من يُعلم الطلاب كيفية الإنتاج؟! لأن الاعتماد على الإنتاج كان ولايزال يعتمد على (شراء الجاهز من الأعمال) التي قد تناسب وقد لا تناسب أهداف العملية التعليمية! وهذا - في اعتقادي - يكاد يكون موجوداً في العالم العربي ككل!
تصور من بعض الدراسات السابقة:
ففي دراسة سابقة أعدت حول تقنيات التربية في مدارس المرحلة الابتدائية في محافظة الأحساء بالهفوف، وجد أن هناك نقصاً واضحاً في تقنيات التربية، وانعكس هذا على مدى استخدامها للمعلمين وذكرت الدراسة بعض ما يعانيه المجتمع، ومنه:
أ- قلة فرص التدريب على استخدام تقنيات التربية.
ب- عدم ملاءمة المبنى المدرسي للاستخدام.
جـ- عدم وجود فني متخصص لصيانة الأجهزة وتشغيلها.
د- غالبية أفراد العينة لديهم اتجاهات نحو استخدام الوسائل.
وذكرت دراسة قام بها د. عبدالرحمن (الشاعر، 1993م) عن تحديد احتياجات مدرسي المرحلة المتوسطة بمنطقة عنيزة للتدريب على إنتاج الوسائل التعليمية واستخدامها، واتضح من نتائج هذه الدراسة أن:
1- مدارس المنطقة تعاني قلة الوسائل التعليمية.
2- صعوبة الاستفادة منها إن وجدت.
3- عدم تلقي المعلمين أية دورة تدريبية في مجالي الاستخدام والإنتاج للوسائل.
وحول عملية الاستخدام للتقنيات التربوية أشار كل من (
Carpenter, Allen Schram, TwyFor بدران، حمدان) إلى أن أهمية استخدام التقنيات التعليمية تكمن في الآتي:
1- تساعد التقنيات التعليمية في استثارة اهتمام الطلبة.
2- تساعد التقنيات التعليمية على زيادة خبرة الطلبة.
3- تساعد على تقليص الفروق الفردية بين الطلبة.
4- فهم أعمق للأشياء أكثر من الشرح اللفظي.
5- فهم العلاقات بين الأشياء ومسبباتها.
6- تساعد في بناء المفاهيم السليمة.
7- تسهم في إتاحة الفرصة للمشاهدة والممارسة والتأمل والتفكير.
و يقول رونتري في دراسة قام بها حول تقنيات التعليم إن نظام التقنيات التعليمية يقضي باستخدام مجموعة من الوسائل التعليمية، وهذا يتطلب الإلمام الكافي بماهية تلك الوسائل ودورها في نقل المعلومة للتلميذ، ومناهج تقنيات التعليم الحالية تفتقر إلى الحراك العلمي بمعنى أنها مفاهيم وحقائق ينقصها الجانب التطبيقي، فهناك فجوة بين المادة النظرية والتدريب على إنتاج الوسائل التعليمية واستخدامها في مناهج إعداد المعلمين. من دراسته أيضاً رأى أن التقنيات التربوية اصطلاح واسع اتساع التربية ذاتها ونهتم بتصميم التعليم وبالتطوير التربوي، وهي بشكل رئيس منحنى منطقي لحل مشكلات التربية، بالإضافة إلى كونها طريقة للتفكير في التدريس والتعليم.
أما كارتر جون فقد تحدث عن مجالات استخدام التقنيات التربوية و قال أنهالا تزال أقل من المعدل المفترض لها.
و ذكر أحمد هميسات في دراسة له أن أهم المشكلات التي تعوق المعلمين في استخدام التقنيات التربوية هي نقصها وقلة التدريب على كيفية استخدامها. وأجرى (د. عبدالسلام النقشبندي، 1990م) دراسة ميدانية بهدف تقويم الاستفادة من التقنيات التربوية في المعاهد الصحية الثانوية، و خرج منها بالتالي:
أ- أن نسبة كبيرة من أفراد العينة تنتج بعض الوسائل البسيطة.
ب- أن الحاجة شديدة إلى التعليم والتدريب.
ويشير ديدي إلى أن المشكلة الكبرى التي تواجه العملية التعليمية هي إعداد الطلاب كي يحصلوا على المعلومات ويستخدموها بفاعلية، وأن الحل لهذه المشكلة يكمن في تنمية مهارات التفكير ذي المستوى الأعلى، وذلك أن التقنيات التربوية واستخدامها وإنتاجها تحتاج إلى المهارة في كل شيء، ولا يمكن أن نعير الآلات والأدوات أهمية بالاستعمال فقط، بل نحتاج إلى معرفة عملها والتعامل معها، وأيضاً إنتاج الجديد منها ليساعد على الابتكار والتجديد.
و نوه ساي إلى أهمية كثير من الدراسات حول الاستخدام والإنتاج للوسائل التعليمية، إلا أن جانباً كبيراً من الأهمية نكاد نغفله وهو الإنتاج. ففي مجتمعنا نحتاج إلى التركيز على المهارات الأساسية التي تساعد المعلمين على الإنتاج، وهذه تحتاج إلى الآتي:
1- مواصلة التدريب.
2- التذكير بالمفاهيم الجديدة لمواجهة السنوات العشر القادمة بشيء جديد.
وتهدف دراسة (
Kubeck, Delp, Haslett and, McDaniel, 1996) إلى تقدير أهمية التدريب بالنسبة للتلميذ، والمعلم فيما يختص باستخدام الوسائل أو المنهج وذلك حسب السن. وهذه الدراسة توضح مدى المهارات التي ينبغي أن يكتسبها المعلم أو التلميذ من خلال عمليتي الاستخدام للمنهج بالإضافة إلى الوسيلة التعليمية. وتهتم الدراسة بضرورة وجود المهارات اللائقة لكل عملية، وكل سن معينة وكل مرحلة حتى يمكن أن تكون للاستخدامات الصورة المطلوبة للعملية التعليمية.
و بمتابعة دقيقة حول الدراسات التي أجريت حول الموضوع نلاحظ أن كل منهاقد تناول الموضوع من ناحية محددة.
ففي دراسة (الحليبي وزملائه)، اعتمدت الدراسة على مدى وجود التقنيات التعليمية بالمدارس، وتركزت النتائج حول النقص في قلة فرص التدريب، وعدم ملاءمة المبنى المدرسي، وعدم وجود فني لصيانة الوسائل، وأن الغالبية من أفراد العينة لديهم اتجاه نحو استخدام الوسائل، ولم تذكر الدراسة أي شيء عن مهارة أفراد العينة في عملية الاستخدام وإلى أي درجة قد تحتاج إلى المهارة.
أما (دراسة الشاعر) فقد تركزت على احتياجات المعلمين لإنتاج الوسائل واستخدامها، وكانت النتائج مؤكدة قلة وجود الوسائل وصعوبة الاستفادة منها، وعدم تلقي المعلمين أية دورة تدريبية... إلخ، ولم تأت الدراسة بذكر أي مهارة سابقة للمعلمين نحو الاستخدام أو الإنتاج، أو حتى إذا وجدت بعض الوسائل هل بالإمكان استعمالها؟ وإذا كان، فكيف تكون عملية الاستخدام؟! ولوحظ عدم وجود أي ذكر للإنتاج، وهذا في حد ذاته يؤكد أن المعاناة ليست في الاستخدام والإنتاج لأنهما معدومان، وإنما في وجود ما يسمى بالوسائل التعليمية!
وفي الدراسة الشاملة التي قام بها (الن
Allen) والمجموعة المذكورة معه ركزت على أهمية استخدام التقنيات التربوية، وذلك للتوضيح لتلك الأهمية، ولا جديد غير ذلك، وكذلك دراسات (رونتري Rowntree) عن الاستخدام و(Carter كارتر) (وهميسات) عن التدريب والاستخدام.
أما دراسة (نقشبندي) فقد أشارت إلى وجود إنتاج ما، وأن الحاجة إلى التدريب لاتزال من المتطلبات الملحة، إلا أننا لم نقرأ عن نوعية الإنتاج، رغم أنها دراسة جادة وفعلية لإبراز عملية إنتاج الوسائل القائمة لفئة الدراسة.
وعكس (
Dede) المطلوب كحل لتساؤل الباحث حول تنمية المهارات، وجاءت بتنمية مهارة التفكير التي يحتاج إليها الفرد كمعلم أو كتلميذ لاستخدام المواد أو الأجهزة التعليمية وهي الصورة المطلوبة لإدراك أهمية الاستفادة من المهارات المتعددة الأغراض.
أما دراسة (
Saye) ومجموعة (Kubcck
) فقد كانت من أهم الدراسات لموضوع الباحث وتساؤله حول المهارة بالنسبة للمعلم ومدى اكتسابها كمستخدم أو كمنتج للوسائل التعليمية، وهو الأمر الذي نحتاج إليه في تحقيق المزيد من الآراء نحو أداء المعلم كمهارة يكون من ضمنها استخدام الوسائل التعليمية وإنتاجها.
فإذا كانت هناك انتقادات في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من هذه الناحية لتطوير استخدام الوسائل، إلى جانب الإنتاج للوسيلة المناسبة للسن، والصف الدراسي، بالرغم من وجودها، إلا أننا في العالم العربي في أشد الحاجة إلى تحقيق التالي:
1- تنمية مهارات المعلم استخداماً للوسيلة، وإنتاجاً لها.
2- زيادة التدريب الفاعل للمعلم بشكل مستمر لمعرفة قدراته وتطويرها في استخدام الوسائل التعليمية وإنتاجها، ذلك أن الوسيلة التعليمية لم تكن مجرد آلة قديمة أو حديثة تحتاج إلى مهارة في معرفة استخدامها، وإنما الوسيلة التعليمية يمكن أن تُصاغ في لوحات ورسومات، وأوراق، وعبارات، وأيضاً أجهزة يستطيع أن يتفاعل معها المعلم والتلميذ لظهور مهارة الإبداع، مادام يفكر من أجل إيصال المعرفة.
ن
شر في مجلة (التدريب والتقنية) عدد (11) بتاريخ (ذوالقعدة 1420هـ)

: http://www.bab.com