أجيالنا وأزمة الثقة

 هدى علي بن سالم

لا أملك نفسي وأنا أمر على رياض ابن الخطاب رضي الله عنه إلا أن أكون كمسافر في سياحة روح وجسد ، تقع روحه قبل عينيه على جنةٍ لم يعهدها بصره من خضرة ونهر وشدو وزهر..تذكره جنةٌ أمٌ هي داره الأولى التي خرج منها إلى شقاء الحياة  بالذنب البشري الأول ولولاه  لكان قاطنها على الدوام وإلى الأبد ..  فلا يصمت شهق روحه إلا لهث قلبه .. بسبحان الذي خلق فسوى وأبدع فكسى  .. كذا الحال عند  وقفات عمر ,جبرا يرخي الجفن مني وينطلق لساني بروعة هذا الدين الذي كان منه ميلاد عمر.. وما أسعد الأمة بعقل عمر .. عقلٍ فقه الدين عن قرب ، وفهمه دون حجب .. فلا قيود للأهواء والتقاليد التي باتت  تأطر هذا الدين وتنسب نفسها دون حق إليه ..

وعمر بريق كله أنى قلبت نظرك إليه ارتد  بنوره.. ومن أي الزوايا نظرت إليه انقلب بصرك بشعاعٍ رقى سماك بعد أن كسى أرضك .. ففعله فصلٌ ، وقوله عبرٌ ، وصمته جملةٌ من الخبر يتجدد فهمها كتجدد القمرين لا يعتقهما زمن .

ومن صمته الناطق كان علم يدرس .. ومع أحد دروسه نقف هنا.. في مدرسة  كبرى لا تعرف جدران تحدها ، إحدى قاعاتها  طرقات المدينة وطالبها النجيب كان وليد الهجرة الأول عبد الله بن الزبير.. 

وعمر رضي الله عنه يجوب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى جواره أصحابه.. فيوقفهم انفلات مجلس للصغار تنافر بقدوم عمر وتوارى كأنجم تلاشت بشروق شمس ، باستثناء واحد منهم لم يعره الأمر شيئا ولم يحرك من قلبه قبل جسده ساكنا !

فأقبل أحد الصحاب رضي الله عنه إلى الصغير يستفهم منه  تفرد حاله دون أصحابه ؟ فأجاب على مرأى عمر: " لم أجرم فأخف ولم تكن الطريق ضيقة فأوسعها له "  !! فكانت كلمة   يتلقاها التاريخ من فوهه ليعلن بها أنماط التربية التي حظي بها الرعيل الأول في بيئة حديثة العهد بالمعلم الأكبر صلى الله عليه وسلم..

فكيف استجاب عمر لما سمع ؟ هل قابله نهراً  ؟ أم اتهمه بالأدب سوءاً ؟ أم شمل جرمه والديه بعد أن أحاط به ؟ وأيهما كان الأسبق إليه سهام اليد أم رشقات اللسان ؟

  لا هذا ولا ذاك .. لم يزد عمر الذي عرف بجولته على الخطأ التي لا يعرف حدود جنس أو سن .. إلا بنظرة إعجاب لصغير هو في عمر الكبار ؟ للسان ينتظر سنانا العلم واليد ليجولا معا في معترك الحياة ..ليرمز بصمته  إلى جانب من مقومات التربية المنشودة في الأجيال وهي بناء الثقة.