بناء  الطفل  لمواجهة التحديات الحضارية

د. هشام الطالب

 

تلخيص وعرض د. عبد الله بن أحمد بن حمدي
 


في إطار سلسلة المحاضرات والندوات التي يقيمها معهد الفكر الإسلامي كل أسبوعين نظمت حلقة نقاشية بالتعاون مع مؤسسة تنمية الطفل في فرجينيا بتاريخ 19 يونيو 2001 في قاعة الاجتماعات بالمعهد، وقد حضرها نخبة من المختصين والمهتمين، وقد أدار الحوار الأستاذ محيى الدين عطية مدير قطاع البحوث والندوات بالمعهد الذي نبه في كلمته الافتتاحية إلى أهمية الموضوع ذاكراً أنه ما من أحد إلا وله أحفاد أو أطفال أو ينتظر أطفالاً، أما ضيف الحلقة الأستاذ الدكتور هشام الطالب فقد ذكر أنه غني عن التعريف، فمن أبرز أعماله كتابه المنشور دليل التدريب القيادي الذي ترجم إلى عدة لغات، وله أبحاث في مجلات ودوريات في فنَّيْ التخطيط والتسيير، ويهتم حالياً بقضايا الطفل أو العلاقة بين الآباء والأبناء.

افتتح المحاضر حديثه بعد حمد الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم بتحليل لواقع الأمة ذاكراً أن الموازين قد انقلبت والأمور قد تبدلت، فالأمة قد انتقلت من دور الفاعل الرائد إلى دور الخانع المستسلم الذي لا حول له ولا قوة مبيناً أن فريقاص من أبناء الأمة المخلصين من مفكرين ومصلحين ومحسنين انشغلوا بدراسة أزمة الأمة وطرق علاجها، وبعد تجارب عديدة انتهوا إلى أن تربية الطفل ينبغي أن تكون هي المنطلق.

ثم أضاف المحاضر أن أفضل مؤسسة يمكن تكليفها بهذه المهمة هي مؤسسة الأسرة (الوالدان) لأنها تواكب الطفل في مختلف مراحله، هذا فضلاً عن كون الأبوين هم أحرص الناس على مصلحة أولادهما، فما من أب إلا ويتمنى أن يكون أبناؤه أفضل منه علماً وخلقاً.

ونتيجة لأهمية وصعوبة هذا الموضوع فقد أولاه المعهد العالمي للفكر الإسلامي اهتماماً خاصاً من زاويتين: الجانب التخصصي: وفي هذا الإطار قدم الدكتور عبد الحميد أبو سليمان مشروعاً بحثياً متكاملاً يشمل (21 ) موضوعاً يمكن أن تشكل منطلقاً لندوات ومشاريع استكتاب، هذا إضافة إلى الجانب التوجيهي العام.

أما صعوبة هذه المهمة -يقول المحاضر- فتكمن في كون الكثير منا ناجح في مؤسسته وأبحاثه، لكنه ليس بالضرورة ناجحاً في تعامله مع أولاده، فكثير من الناجحين يعانون مشاكل كبيرة جدا في مجال التربية، هذا بالإضافة إلى غياب الخبرة والضغوط اليومية على الوالدين التي تجعل مهمة التربية ليست من أولوياتهما. فمهمة التربية مهمة صعبة تقتضي تكاتف الجهود وأن الاستثمار فيها يتطلب وقتاً -ليس بالقصير- حتي تظهر نتائجه مما قد يستغرق عشرين سنة تقريباً.

ثم عالج المحاضر إشكالية الاتصال بالأطفال ومخاطبتهم ذاكراً أن الكثير يتوهم أن الطفل هو بالغ صغير وأن البالغ هو طفل كبير مبيناً خطأ هذا التصور ذاكراً أن الأمومة والأبوة تتطلب الالمام بعلوم مختلفة مثل: علم النفس، علم الاجتماع، التربية، القضايا الصحية...إلخ.

وقد قدم المحاضر أمثلة طريفة لصعوبة فن الأبوة والأمومة، فالرئيس الأمريكي روزفلت كان يقول من السهل علي أن أدير دولة ولكن لا أقدر أن أدير دولة وابنتي أليسا أيضا.

ويقول قائد من قادة الجيش: أستطيع بأمر واحد أن أجمع ثلاث ملايين جندي في ساعة واحدة، أما بناتي الثلاثة فلا أستطيع أن أجمعهن على الإفطار في ساعة معينة.

وهناك من قال: إن الحماقة والجنون وراثيان، فالآباء يرثوهما من الأبناء وليس العكس.
ويقولون إن معلم الصبيان شنق نفسه.

وبعد أن لفت المحاضر الانتباه إلى أهمية الأسرة في البناء الحضاري شرع في تبيان أهداف الأسرة ووظيفتها ذاكراً أن هذه الوظيفة إذا لم يقم بها أحسن قيام فسيؤدي ذلك إلى زوال البشرية وتحطمها داعياً إلى جعلها من أولى الأولويات. وقد حاول المحاضر تثبيت أهداف للأسرة في الإسلام من خلال تأملاته في قوله تعالى: " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" وقد استخلص المحاضر من خلال هذه الآية جدولاً بين فيه سمات الأسرة المثالية التي هي قرة أعين ذاكراً أن تأملاته تحتمل الخطأ والصواب والحذف والإضافة، ومن أبرز تلك الصفات:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
 

إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشـغولا
 


ومن أجل تأهيل القادة - يضيف المحاضر- لابد من توفر جملة من المهارات مثل: القراءة والكتابة، قيادة السيارة والاحترام والتأدب وتعلم مشاغل البيت والصبر والتواضع والسباحة وطريقة صنع القرار وحب مساعدة الغير..إلخ.

ثم أكد المحاضر على ضرورة إحياء القدوة النبوية في مجال التربية متسائلاً من هو القدوة الحسنة ذاكراً الآية الكريمة " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" وقد أشار المحاضر في هذا الاطار إلى أطروحة ماجستير من الجامعة الأردنية للطالب نضال العبادي تحوي 2000 حديث في مجال معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال.
وفي نهاية المحاضرة أثار المحاضر جملة من الاشكالات المهمة المتعلقة بالتربية والتعليم منها:
·
هل نركز على الطفل من أجل أن يحفظ القرآن الكريم أو يفهمه؟ ذكر المحاضر أن الذاكرة في العقد الأول من عمر الطفل ( 10-12 ) تكون قوية جداً، لذا - يقول المحاضر- لا أستغرب أن عشرات الآلاف من المسلمين عرب وغير عرب حفظوا القرآن الكريم في هذه الفترة، بعد ذلك - يقول المحاضر- ينبغي التركيز على الفهم والتقليل من الحفظ، منبهاً إلى ضرورة تحفيظ القرآن الكريم حسب الأعمار فمثلاً لا ينبغي أن نبدأ للطفل بالسور التي تحمل معاني الوعيد والارهاب مثل سور جزء عم، ويل للمطففين، تبت يدا أبي لهب، القارعة..إلخ بل نحفظه - يضيف المحاضر- أسماء الله الحسنى: الودود، الرحيم، الرزاق..إلخ.

وقد ختم المحاضر حديثه بالدعاء التالي:" ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما".

ثم أحيل الكلام إلى الحضور لتقديم استشكالاتهم ومداخلاتهم:
-
ذكر البعض ضرورة أن يكون الوالدان نموذجا في السلوك والأخلاق ذاكراً بعض السلوكيات المشينة في بعض الأسر مثل نهي الأطفال عن الكذب والغيبة في حين يمارس الأبوان نفس السلوكيات داعياً إلى الدعوة بلسان الحال قبل الدعوة بلسان المقال مؤكداً هلى ضرورة بدء المرء بنفسه وعائلته.
-
اعتبر البعض تلبية المطالب المادية للأطفال من أخطر الأمور لأنها تغيب الإحساس بالنعم لذا ينصح بعدم تلبيتها إلا بعد إلحاح من أجل الاشعار بقيمة النعم والتخفيف من الماديات.
-
ذكر البعض أن محاورة الأولاد واستخلاص الأجوبة من كلامهم يزيد الطفل ثقة بنفسه.
-
تحفظ البعض على قول المحاضر إن الشخصيات اليوم قد تقولبت وتصلبت ذاكراً أن هذه الشخصيات هي مجال عملنا، فإذا كانت كذلك فكيف سنستطيع الوصول إليها.
-
تحفظ البعض على ذكر المحاضر أن التربية تحتاج إلى خبرة والخبرة غير موجودة ذاكراً أن التربية ممارسة وليست كتاباً يدرس متسائلاً ما هو تفسير الناس معادن؟ وهل هذا المعدن يكون بيئياً أم هو شيء في الجينات؟
-
تساءل البعض هل هناك دراسات حول الأطفال الذين حرموا لبن الأم الخالص لوجود سبب عضوي أو نفسي عند الأم.
-
تساءل البعض عن أسباب فشل الكثير من المربين والمدرسين في التعامل مع الأطفال رغم النوايا الحسنة، هل ذلك عائد إلى عدم فهم الطفولة ومشكلاتها أم هو عائد إلى المنهج؟
-
ذكر البعض أن أسلوب الكتابة للأطفال هي الإشكالية التي تعاني منها المكتبة الإسلامية المعاصرة، فلا يقدر على مخطابة الأطفال كل الناس.

وقد ثمن المحاضر كل الاستشكالات والمداخلات مبيناً أنها أثرت وعمقت الكثير من النقاط في المحاضرة وقد علق على بعضها، وقد عقب الدكتور عبد الحميد أبو سليمان على بعض النقاط السابقة قائلا:
يلاحظ في أغلب الأحيان أن الأب الذي يكذب أو ينم لا يعترف بأنه كذاب أو نمام لذا نجد أن أولاده يقلدونه، ففن الأبوة لايعني أن تكون مثالياً وإنما يعني كيف تعرف خطأك و كيف تلفت نظر ابنك إلى خطئك وعجزك، وهنا تأتي ضرورة تغيير مفاهيم الآباء وقدرتهم على إدراك جوانب القصور عندهم حتي يمكن للطفل أن يتلافاها.

أما قضية المعادن فليس المقصود بها قضية المزاج، أي الطول أو القصر أو أي قدرات جسدية لأن الحديث يتكلم عن خياركم، فيمكن أن يكون عندك مزاج حاد ولكن عندما تضبطه وتوجهه يصبح خيراً، ويمكن أن يتحول إلى شر بغياب ذلك.

وفي الختام أعيد الكلام إلى رئيس الجلسة الذي شكر المحاضر والحضور ثم رفعت الجلسة لتناول طعام الغداء.

 المعهد العالمي

 www.iiit.org/ar/conferences/childround.htmالعالمي للفكر الإسلامي