هل المعلم سعيد؟!

محمد عبد العزيز الشيخ

 

لن نطيل الحديث عن حقيقة ثابتة راسخة مفادها أن السعادة ليست في الغنى والثروة ولا كثرة الأولاد والأحفاد، كما أنها ليست بعلو المناصب التي تكثر الأحباب والأصحاب وإنما السعادة الصادقة في تقوى الله وطاعته وأنها معنى في القلب تنزل معه أينما نزل وترتحل معه أينما ارتحل كما عبر عن ذلك الإمام ابن تيمية - رحمه الله - ولكن هذا يدعونا لنتساءل كيف نعيش بهذه الحقيقة وقبل ذلك كيف نجدها وبالتالي كيف نحافظ عليها؟ فمن وجهة النظر القاصرة أن المعلم السعيد هو الذي يقبل هذه الرسالة العظيمة ويحمل هذه الأمانة الكريمة بقلب مخلص راغب فيما عند الله من ثواب وإن جاءه بعد ذلك من ثواب الدنيا خير وبركة ورزق ساقه الله إليه يحتاج إلى حمد وشكر للمنعم جل وعلا. والمعلم السعيد هو الذي يتفانى في تقديم ما في وسعه من جهد وطاقة لتوصيل المعلومة الصحيحة والكلمة الطيبة الواضحة في قالب من الود والحرص على شباب الأمة المسلمة، ولا مانع من ذلك عنده في استخدام الوسيلة من تكنولوجيا الحضارة المعاصرة والمنضبطة بضوابط الشرع.
والمعلم السعيد هو الذي يشعر بأنه عاد إلى بيته وقد أنار عقلاً مسلماً بالعلم النافع ودل طالباً تائهاً عن جادة الحق للحق وساعد إدارته في الوصول إلى قرار سليم وشارك في تنفيذ ما أسند إليه من أعمال ودعا إلى معروف وأعان على إزالة منكر، وتبلغ سعادته أوجها حين يفعل كل ذلك بين صلاتي الفجر والظهر اللتين أداهما مع جماعة المسلمين في المسجد.
والمعلم السعيد - أيضاً - هو الذي يكون حظه من الخيرات والأعمال الصالحة خارج المدرسة أكثر من داخلها، فهو يربي أبناءه وذويه على طاعة الله والالتزام بأوامره وأداء واجباته، بينه وبين أهله المودة والرحمة، هادئ الطبع عف اللسان واصل للأرحام كريم النفس واليد مع الجيران، منبسط الوجه للأصدقاء والإخوان يستغل أوقات فراغه في اهتمامات عالية من قراءة أو بحث أو دعوة أو قضاء حوائج الأهل أو الناس.
والمعلم السعيد هو الذي يرقى في تفكيره إلى معالي الأمور وترك سفاسفها، يزن الحياة بميزان الشرع ويفقه الأولويات ويقف عند حدود الدين ويحاسب النفس ويستعد للآخرة.
أما المعلمة السعيدة. فلها ما سبق من حياة المعلم السعيد ولكن الحذر الحذر عليها من أن تخالف ربها في طاعة الوالدين أو الزوج ما كان في طاعة ربها، أو أن تخل بمصالح بيتها وأبنائها ومستقبلها طمعاً في دنيا زائلة ودريهمات فانية، وإن كان ما تفعله من تعليم وتمارسه من وظيفة سعياً وراء الراتب وخوفاً من ألا يطرق الباب خاطب أو خوفاً من بخله بعد الزواج، فتلك مصيبة.
وإن كان العمل لديها من أجل الخروج من كبت البيت والتخلص من الكبد والولد، والنظر في الشوارع ووجوه الناس فالمصيبة أعظم. وأما السعادة فلتذهب مع الريح وتزول كما تزول المساحيق.
نشر في مجلة (المعرفة) عدد (50) بتاريخ (جمادى الأولى 1420هـ -أغسطس 1999م)

  http://www.bab.com.المصدر