تورم الذات والعمل الجماعي

هدى علي بن سالم

 يستطيع الإنسان أن يحتفظ بكيانه كشخصية مستقلة ولكنه لا يستطيع إن يعيش منفردا عن جماعة ينتمي إليها ويتداخل معها بفكره وإحساسه وجهده .. لذا جاءت قوانين الإسلام تندب العمل الجماعي و تنظم الشبكة الاجتماعية القائمة بين الأفراد في قوانين أخلاقية نابعة من السماء (ليست من الأرض كغيرها) تسمو بمن ينتهجها إلى قمم من الرقي وأواصر قوية من الترابط فتجعل مفتاح الرقي الحقيقي كيفية تعامل الفرد مع أخيه الإنسان .. فكان لتلك الأخلاق مهمة عظيمة هي التذكير الدائم للجماعة أن تحيا للأهداف العليا التي تذوب فيها مفاسد الأنا فيتمازج الكل  قلبا واحدا وقالبا متجانسا كحجر واحد  .. يعيش الواحد منهم أمة والأمة تمثل الواحد .. هذا التسامي الذي انطلق نموذجا فريدا قد تمثل جليا في البناء الإسلامي الأول حيث الاقتباس الحي من المصدر الخالد لهذه الأمة والذي امتدحه ربه عز وجل ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .

وإذا تلاشت مفاسد الأنا وشوائب الأنانية في الجماعة كانت ( يد الله فوق أيديهم )فتصبح الجماعة حلقة واحدة يعسر تحديد نقطة بدايتها أو مبدأ نهايتها تستمد قوتها من ربها ويظهر عزها  ويترامى خيرها .

ولكن سرعان ما تنكسر هذه الدائرة وتتنافر أطرافها  إذا دب داء الذات إليها فوجد من بينها من بالغ في إحساسه عن نفسه  وتمركز حول ذاته فضخمها تضخما حجب النور عن بصره  و أعمى بصيرته فلا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته ولغة الأنا هي جل حديثه .!!

أن هذا الفرد بذاته المتورمة يمثل في العمل ا لجماعي خطورة  لا تقل خطورة عن ورم خبيث يفتك بجسد سليم وما أعجل ما يعيث فيه فسادا  فيبيد قواه ويعطل طاقاته فيغدو العمل الجماعي حينها عسيرا إن لم يكن مستحيلا .. حيث تسقط سوء العلاقات أولى انعكاساتها على تناج العمل ..!! ومن هنا تأتي حتمية الأمانة القيادية العليا في التدخل ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) و اجتثاث مثل هذا العضو الفاسد نجاةً لبقية باقية وتداركاً لرمق أن تكون منه حياة قادمة .والأمانة نفسها تلزم الرعاة بمتابعة من أنابوهم في الرعاية واستطلاع رأي رعاياهم فيهم  ومدى أهليتهم في أمانة رعائية كلفوا بها فقد  كان عمر رضي الله عنه إذا قدم عليه الوفد يسألهم عن أميرهم فيقولون خيرا فلا يكتفي وإنما يطمئن بنفسه عن مقاييس أساسية دقيقة إن وجدت فدونها موجود فيسألهم هل يعود مرضاكم ؟ فيقولون : نعم ، فيقول هل يعود العبد ؟ فيقولون : نعم ،فيقول كيف صنيعه بالضعيف ، هل يجلس على بابه ؟ فإن قالوا لخصلة  منها لا عزله ..

عزله .. لأن عزل شخص  أهون من عزل طاقة إنتاجية يوفقها شخص.