على ضوء تجارب الآخرين في التعليم

نعم ..  بالإمكــان أحسن مما كان! 

                                                                                                        علي  بدر امبي
 

لقد تنامت النظرة إلى التعليم بين صناع القرار والتربويين في العالم أجمع كعنصر ضروري للنجاح الاقتصادي. فالرفاه الاقتصادي لأية أمة مرهونة برصيدها من الموارد البشرية، ومواردها البشرية مرهونة بنظامها التربوي.
ومن عصر لآخر تتغير موازين التربية الناجحة، فإذا كانت الإنجازات التربوية لشرق آسيا لاتزال موضع إعجاب الجماهير في الغرب، فإن هذا النظام التربوي قد أصبح مصدر تساؤلات كثير من الإصلاحيين التربويين. فمن وجهة نظرهم، إن التركيز على فرض الأوامر والنظام الصارم وهيمنة التقنيات الأساسية قد أفقدت المربين تنمية عادات الخروج من الإطارات المحددة وبالأخص عادة الإبداع.
فمن طوكيو إلى سنغافورة تحققت الحكومات من أن كثرة الاختبارات كجزء من الأنظمة التربوية الصارمة. تنقص من ملكتي التفكير والإبداع لدى التلاميذ، وهما معاً مفتاح عصر المعلومات القادم.
لكن التربويين الآسيويين متفقون على أن هذا الإصلاح لن يؤتي ثماره بين ليلة وضحاها، ففي ماليزيا مثلاً طرحت برنامج المدارس الذكية والذي يتضمن إدخال الكومبيوتر والإنترنت في جميع المدارس، وعليه يقول محام ماليزي: «إن إيجاد التجهيزات أمر سهل، لكن الجانب الصعب من البرنامج هو أن نجعل التلاميذ فعلاً يفكرون».
ولا تكمن صعوبة إيجاد إصلاح تربوي في تغيير العادات السلوكية الفكرية للنشء فقط، فهذا الإصلاح يتطلب إعطاء التلاميذ حريات أكثر في دراسة ما يريدون وهو الأمر الذي تتخوف منه الجماعات المحافظة. يقول رجل الأعمال الماليزي ك. ج جون: «في المستقبل سيبدأ الأطفال وجباتهم بالفاكهة ولن يقول أحد لا». فالآباء يتخوفون من وصول الأطفال إلى المواقع الجنسية في الإنترنت، لكن وزير التربية الماليزي له رأي آخر متفائل حيث يقول: «إن الناس يخافون من التغيير في أي مجتمع يحدث فيه ثورة -وهذا الإصلاح ثورة- لكن خياراتنا قليلة، إما أن نوجد نظاماً تربوياً يخرج عمالاً مبدعين، وإما نخسر»، هكذا لخص نجيب رزاق رأيه في المسألة.
إن النظام التربوي الآسيوي الذي يمتاز بالنظام الصارم، والذي أوجد مجتمعاً يعتمد على الصناعة التصديرية المستوحاة من الغرب، تأثر إلى حد بعيد بآراء كونفوشيوس التربوية. ففي فترة من القرن الرابع قبل المسيح قال الفيلسوف الصيني:
«أنا أبلغ لكني لا أبدع» فهو يرى أن هدف التربية ليس الإبداع لكنه تصفية الآراء التي تطورت في عصر ذهبي سابق.
في سنغافورة كانت المدارس تعلم كل شيء ابتداء ممن يجب عليهم أن ينجبوا أطفالاً إلى كيفية تنظيف دورات المياه، والمعلمون يحفظون التلاميذ الأجوبة الصحيحة لجميع الأسئلة الواردة في المنهج، ولكن قبل سنتين استيقظ صانعو القرار على حقيقة مرة، وهي أنه في الوقت الذي يستطيع فيه السنغافوريون تصنيع سلع فائقة التقانة، فإن قليلاً منهم يعرف كيف يفكر في إبداع تكنولوجيات جديدة.
فصاغت الحكومة إرشادات بشأن تدريس الإبداع فشجعت طرائق التدريس التي تساعد على ذلك مثل طريقة حل المشكلات
Problem Solving ، وطريقة العمل في مجموعة Team Work، وطريقة استمطار الأفكار Brain Storming. وكما أن الكونفوشيين لم يتربوا على الإيمان بالإبداع كذلك ربى العرب أبناءهم على مقولة «ليس بالإمكان أحسن مما كان» وما أقرب هذا العبارة إلى عبارة الفيلسوف كونفوشيوس.
لا أدري فيما إذا كانت الأمة الإسلامية على استعداد لتحديث أنظمتها التربوية -على غرار
ماليزيا مثلاً- لكن الحقيقة الثابتة هي أن مناهجنا التربوية تبقى دائماً مبنية على ثوابت علوم الوحي، وجميع المتغيرات التي قد تطرأ نتيجة العولمة الثقافية يجب أن تخضع لتلك الثوابت، فنحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فما جاءنا موافقاً لثوابتنا رحبنا به، وما خالفها ضربنا بها عرض الحائط.
نشر في مجلة (المعرفة) عدد (57) بتاريخ (ذوالحجة 1420هـ -مارس 2000م)

: http://www.bab.com