التعليم فـي ايـرلنـدا

هل يحقق الوفـاق الاجتماعي؟
 

تنعكس جوانب الأزمة في ايرلندا الشمالية والتى تتلخص في وجود مجتمعين بينهما اختلافات دينية تتطابق مع اختلافات ثقافية وقومية على مسار التعليم هنالك مما دفع جامعة اليستر للدراسات بدراسات ذات علاقة بالسياق الاجتماعي الراهن، ومنها على سبيل المثال «دراسات الصراع».
توجد مراحل للتعليم في ايرلندا الشمالية حيث التعليم المدرسي، ثم التعليم ما بعد المدرسي
Further Edu
cation
، ثم التعليم الجامعي، ويقسم التعليم المدرسي بدوره إلى تعليم أساسي الذي يبدأ من أربع سنوات إلى إحدى عشرة سنة، والتعليم الثانوي ويبدأ من 11 إلى 18 عاماً، وتوجد أربع فئات من المدارس في مرحلتي التعليم الأساسي والتعليم الثانوي وهي:
1- المدارس الحكومية أو المدارس المدارة بواسطة الدولة: "
Controlled Schoolsس وهي تلك المدارس المملوكة لهيئات التعليم الحكومية المحلية Education and Libarary وتديرها هيئات الموجهين Boards of Governors إذ تقوم تلك الهيئات بتوفير الموارد لتلك المدارس بتحمل التكاليف التجارية وتوظيف المدرسين فيما يسمى بالإدارة غير الطائفية. وفي الحقيقة فإن هذه المدارس كانت مملوكة لكنائس البروتستانتية بشكل رسمي حتى عام 1930م، حيث قامت تلك الكنائس بتحويل ملكية هذه المدارس للدولة لكنها احتفظت ببعض من مسؤولية الإدارة والتعليم الديني فيها، والأطفال ذوو الخلفية البروتستانتية يسجلون في تلك المدارس المدارة بواسطة الدولة والتي هي مدارس بروتستانتية واقعياً.
2 - المدارس الكاثوليكية:"
Catholik maintaintedس وتلك المدارس هي بالأساس تحت إدارة الكنيسة الكاثوليكية التي احتفظت بحقها في أن يكون لها مدارسها الخاصة بها وكانت على مدى السنوات الماضية تساهم بنسبة من التكاليف الثابتة لهذه المدارس. أما الآن فالمدارس الكاثوليكية تمول بشكل كامل من الدولة. والأطفال ذوو الخلفية الكاثوليكية يسجلون في تلك المدارس وتشمل تلك الفئة المدارس التي يتم التدريس فيها باللغة الايرلندية.
3 - المدارس الثانوية الأكاديمية الاختيارية: "
Vountry Brammar schoolsس وتلك المدارس بدورها تنقسم إلى مدارس تحت الإدارة الكاثوليكية وأخرى تحت إدارة الدولة أو واقعياً الإدارة البروتستانتية. وهذه المدارس يتم دخولها من عمر 11 عاماً وفقاً لنظام اختياري يقوم على اختبارات دقيقة.
4 - المدارس التكاملية:
Planned Integratad
Schools
وهي تلك المدارس التي أنشئت بهدف تقديم الخدمة التعليمية للبروتستانت والكاثوليك معاً، وقد تزايد عددها في كل من التعليم الأساسي والتعليم الثانوي.
ويتم سداد التكاليف الجارية لكل تلك المدارس من النفقات الحكومية بشكل كامل، ويحق لهذه المدارس بأنواعها أن تطلب التمويل الكامل لنفقاتها الثابتة من الإنفاق العام.
أما عن مرحلة التعليم ما بعد المدرسي فهي تبدأ من سن 16 عاماً، وهناك سبعة عشر معهداً في هذه المرحلة تقدم موضوعات أكاديمية، مهنية، وتلبي تلك المعاهد احتياجات الصناعات العملية. والتعليم إجباري من 4 إلى 16 عاماً.
هناك جامعتان في ايرلندا الشمالية: الأولى: جامعة الملكة لبلفاست
The university Queen of Belfast وقد أنشئت كمعهد عام 1845م ثم تحولت إلى جامعة مستقلة عام 1908م. وحتى عام 1965م كانت هي الجامعة الوحيدة في ألستر، ومن ثم عملت تلك الجامعة على تطوير عدد واسع من الكليات - بما في ذلك الكليات المهنية مثل الطب، القانون، الهندسة، التربية - والتي تتناسب مع احتياجات الإقليم. وقد تفاعلت هذه التطورات مع الصناعة، التجارة، المهن التطبيقية، الفنون، وفي الآونة الحديثة تم إنشاء عدد من المؤسسات التعليمية المهمة التابعة لتلك الجامعة منها مركز التكنولوجيا لايرلندا الشمالية Northern Ireland Technology Ceatre Conte معهد الدراسات القانونية المهنية Institute of professional legal Studies ومعهد الدراسات الايرلندية Imstitute ofInish Studies، كما تم دعم الشراكة مع الأقسام الحكومية في مجالات الزراعة والتعليم. وفي هذه الجامعة يدرس 500،12 طالب.
الثانية: جامعة ألستر:
Univeresity of Ulster وقد أنشئت عام 1984م عن طريق دمج مؤسستين الأولى هي جامعة ألستر الجديدة التي أنشئت عام 1965، والثانية هي معهد ألستر والذي أنشئ عام 1965 أيضاً، وتملك تلك الجامعة أربعة مواقع في ايرلندا الشمالية وبها 7 كليات هي الفنون والتصميم، الإدارة والأعمال، التعليم، الدراسات الإنسانية، العلوم الاجتماعية والنفسية، والعلوم والتكنولوجيا المعلوماتية. وعندما أنشئت كانت جامعة ألستر هي الجامعة الوحيدة في المملكة المتحدة التي تجمع بين البرامج التعليمية ذات الدرجات والبرامج التعليمية بدون درجات والتي تقود إلى دبلومات أعلى على المستوى القومي، ويبلغ عدد طلابها 500،17 طالب.
وفي برامجها التعليمية تتجه إلى البرامج العلمية، الفنية والتخصصات المهنية والتطبيقية، ولكنها في الآونة الأخيرة بدأت تقدم دراسات ذات علاقة بالسياق الاجتماعي الراهن، ومنها على سبيل المثال «دراسات الصراع». وتحاول جامعة ألستر -كما هو الحال بالنسبة لجامعة الملكة- أن تتفاعل مع الصناعة، التجارة والمهن، سواء في برامجها التعليمية أو في أبحاثها. وكما هو الحال أيضاً بالنسبة لجامعة الملكة فإن جامعة ألستر تقدم بشكل كبير التعليم ما بعد الجامعي. وعملت الجامعتان على أن يكون هناك تكامل وليس تكراراً لأنشطتها، بحيث تغطى كل منهما حقلاً من الحقول التعليمية بشكل شامل وتستفيد استفادة كاملة من الموارد التي تخصص لها.
المنـاهـج
وإذا نظرنا عن المناهج الدراسية في مرحلة التعليم المدرسي، نجد أن هناك مناهج مشتركة للدراسة في كل المدارس التي تمنح مساعدات، وذلك في ستة مجالات: اللغة الإنجليزية، الرياضيات، العلوم والتكنولوجيا، البيئة والمجتمع، الدراسات الإبداعية والتعبيرية، كذلك توجد دراسة للغة الايرلندية كمقرر دراسي بشكل واسع في معظم المدارس. ورغم هذا الاشتراك في المنهج نجد أن هناك 700 من طلاب المدارس الأساسية يتعلمون في ثلاث مدارس يتم التعليم فيها باللغة الايرلندية بشكل كامل وليس باعتبارها مقرراً دراسياً. وتوجد - بالإضافة إلى المرحلة الأساسية - المدرسة الثانوية الايرلندية والتي يتم التعليم فيها باللغة الايرلندية وهي تتلقى دعماً حكومياً يعادل 160.000 دولار أمريكي في العام من برنامج عمل بلفاست الحكومي
Goverementصs makingt Belfas Work Programme وهذا البرنامج يساعد المشروعات في المناطق غير المتميزة. كما يوجد اختلاف آخر يتمثل في تدخل الكنائس الثلاث البروتستانتية الرئيسية والكنيسة الكاثوليكية لوضع أو اقتراح المخطط الجوهري للتعليم الديني كما سنرى فيما بعد.
ويتكون الهيكل الإداري للتعليم من قسم التعليم لايرلندا الشمالية
Department of Education for Northen Ireland (DENI) وذلك على المستوى المركزي. وعلى المستوى المحلي توجد خمس هيئات تعليمية Education and Library Boarois وهذه الهيئات تقدم مختلف أنواع المدارس والمعاهد على أرفع المستويات. وقد بلغ الإنفاق الحكومي على التعليم عام 1994 - 1995 ما يساوي بليوني دولار أمريكي. وبشكل عام يتمتع التعليم في ايرلندا الشمالية بسمعة حسنة من حيث الكفاءة.
الوضع الاجتماعي
تتلخص أهم جوانب الأزمة في ايرلندا الشمالية في وجود مجتمعين بينهما اختلافات دينية تتطابق مع اختلافات ثقافية وقومية. فهناك مجتمع البروتستانت ومجتمع الكاثوليك. والمجتمع الأول تشعر الغالية العظمى منه بأنها ذات هوية وثقافة بريطانية، والثاني تشعر غالبيته بأنها ذات هوية وثقافة ايرلندية، وانعكس ذلك على التعليم من خلال وجود نظامين تعليميين منفصلين أحدهما كاثوليكي والآخر بروتستانتي (واقعياً). ولا يعني ذلك أن صفة كاثوليكي أو بروتستانتي موجودة فقط بالنسبة لمجتمع الطلاب والمعلمين في هذين النوعين من المدارس، ولكن أيضاً بالنسبة للمناهج بما يعني أنها ذات طابع ديني خالص وخصوصا في المدارس الكاثوليكية وبتشجيع من الكنيسة الكاثوليكية التي أصرت أن يكون لها مدارسها الخاصة بحيث يكون للمدرسة دور أساسي في التعليم الديني بالمعنى العام، وذلك لتعليم الطلاب الكاثوليك حقائق وقيم كنيستهم، وبمعنى خاص يتمثل في إعدادهم للتقديس. أما بالنسبة للكنائس البروتستانتينة فهي أقل تشدداً في هذا الصدد إذ تطلب أن تقوم المدارس بدور في نقل تعاليم الكتاب المقدس دون أن تمارس الوعظ الديني. وما يدعم رغبة الكنائس في أن تكون المدارس ذات طابع ديني هو رغبة الآباء في أن ينشأ أبناؤهم على معرفة وفهم لعقيدتهم. وما سبق يعني أن وجود نظام المدارس المنفصلة على أساس ديني ليس جديداً، وقد وجدت محاولات من الدولة لإقامة أشكال للتعليم غير الطائفي القومي في الماضي. منها محاولة عام 1831م وأخرى عام 1921م، إذ تمت مقاومتها بواسطة الكنائس وخصوصاً الكاثوليكية التي كانت مقاومتها مصحوبة بالقلق من ممارسة التحول الديني من خلال المدارس. وهذا النظام التاريخي لتأييد المدارس الانفصالية مازال قائماً ويتم الدفاع عنه بشكل صريح من الكنيسة الكاثوليكية رسمياً، وبشكل واقعي من جانب الكنائس البروتستانتية التي على الرغم من تشجيعها لتجارب المدارس التكاملية فقد أظهرت قلقاً من أي تغير جذري في نظام تلك المدارس، وتوجد بعض الإحصاءات المهمة بالنسبة لنظام المدارس الانفصالية. فعلى مستوى التعليم الأساسي توجد 460 مدرسة كاثوليكية للتعليم الأساسي، وتوجد 490 مدرسة بروتستانتية. وفي مرحلة التعليم الثانوي توجد 116 مدرسة بروتستانتية و 109 مدارس كاثوليكية. وهذا الإحساس العميق بالاختلاف الديني والثقافي، يضغط على غيره من الاختلافات وأهمها على الإطلاق مسألة الوعي الطبقي التي يتم فهمها في إطار الاختلاف الديني والثقافي، فمجتمع البروتستانت يتمتع بدرجة من التوظيف أعلى من تلك التي يتمتع بها مجتمع الكاثوليك، وبالتالي فهو يتمتع بوضع اقتصادي أفضل، ويتم فهم ذلك في إطار الوضع التعليمي الأفضل لمجتمع البروتستانت أي في إطار أزمة الاختلاف الديني والثقافي.
وبالرغم مما سبق فقد ظهرت عدة محاولات لمواجهة الأزمة من خلال النظام التعليمي. ففي بدايات سنوات الأزمة هناك العديد من المراقبين الذين حملوا مسؤولية التدهور الاجتماعي إلى الطبيعة الانفصالية للنظام التعليمي واقترحوا نمو المدارس المختلفة التي تجمع بين البروتستانت والكاثوليك. وكان من بين من اقترحوا ذلك فرستر
Fraster عام 1973م إذ قال: « إن اكثر العوامل فاعلية في كسر الحواجز الاجتماعية واستعادة سلام طويل المدى هو المدارس المختلطة».
ثم كان
Heskin (1980م) الذي رأى أن التعليم التكاملي المختلط يدعم الأغلبية الساكنة التي تفضل المصالحة، ويضعف من الاتجاهات الانفصالية التي ظهرت بواسطة الفئات المتعصبة في المجتمع الايرلندي. ولكن مثل هذه الآراء كانت ومازالت تتسم بعدم الواقعية، إذ تعتمد على الترجمة والنقل المبسط للدلائل النظرية والتطبيقية في الولايات المتحدة الامريكية أكثر من اعتمادها على تقييم أكثر تفصيلية لطبيعة الصراع المتصاعد في ايرلندا الشمالية.
ومنذ ذلك الجدل فإن الآراء حول دور المدارس الانفصالية في ايرلندا الشمالية قامت على اعتراضين أساسيين:
الأول: هو الافتراض الثقافي الذي يرى أن المدارس الانفصالية تدعم الانقسامات المجتمعية عن طريق تعريض الطلبة لبيئات ثقافية مغايرة وهذا الرأي يؤكد الاختلاف في مناهج النظم المدرسية الانفصالية.
الثاني: الافتراض الاجتماعي الذي يرى أنه بصرف النظر عما يقدم من تعليم في المدارس فإن المدارس الانفصالية تدخل الطلبة في الصراع من خلال التأكيد على إعطاء مصداقية للعداءات والاختلافات بين المجموعات وتشجيع الإنكار وربما الشك المتبادل بين مجموعات البروتستانت من ناحية والكاثوليك من ناحية أخرى ووجهة النظر تلك تؤكد تأثير عملية الفصل في ذاتها.
ونتيجة لذلك بدأ كل من الحكومة والمجتمع ينظران إلى النظام التعليمي الانفصالي على أنه عامل يزيد من التدهور، وأنه يمكن من خلال إصلاح هذا النظام إيجاد حل للأزمة أو التخفيف من حدتها. وقد تم هذا الإصلاح من خلال ثلاث استراتيجيات هي:
1- الاستراتيجية الأولى: تطلبت هذه الاستراتيجية إدخال تغييرات منهجية داخل المدارس الانفصالية الموجودة وكان هناك برامج ومشروعات عديدة في هذا الصدد منها مشروع العلاقات المجتمعية المدرسية (
School Community Relationproject) عام 1970م ومشروع الدراسات الثقافية المدرسية (The Schools Cultural Studies Projecet) عام 1974م ثم تشجيع ذلك بواسطة قسم التعليم لايرلندا الشمالية عام 1982م.
وفي العام التالي فإن المؤسسة المسؤولة عن التعليم في أيرلندا الشمالية قامت بوضع برنامج يسمى برنامج التعليم للفهم المتبادل (
EMU) (Education for Mutual Understanding) والذي شجع المدارس على أسس اختيارية أن تقوم بتقديم موضوعات متعلقة بالعلاقات المجتمعية في مناهجها.
2 ـ الاستراتيجية الثانية: سعت إلى تشجيع برامج للاتصال بين الطلبة في كل من المدارس الكاثوليكية والبروتستانتية. وفي البداية فإن برامج الاتصال واجهت مشاكل بسببب طابعها الخاص ، فقد اعتمدت على تعهد وحماسة عدد صغير من المدرسين، من أجل التغلب على هذه المشكلة، فقد تأسس في عام 1986م مشروع العلاقات بين المدارس بشكل يجعل العملية الاتصالية جزءاً من النشاط اليومي للمدارس وبشكل مستقل عن أشخاص بعينهم.
3 ـ الاستراتيجية الثالثة: عملت على تجاوز نظام المدارس الانفصالية وإيجاد مدارس مختلطة تقدم الخدمة التعليمية لكل من الطلبة البروتستانت والكاثوليك. ففي عام 1978م صدر قانون لتغيير وضع المدارس البروتستانتية التي هي تحت سيطرة الدولة إلى مدارس تكاملية، وبسبب فشل المدارس في اتباع هذا الخيار فإن مجموعة من الآباء قاموا بفتح مدرسة سميت بـ
Lagancolllege عام 1981م وهي أول مدرسة تكاملية مختلطة في أيرلندا الشمالية، وإذا كانت المبادرة بإيجاد المدارس المختلطة قد جاءت من خلال الآباء، فإن برامج التعليم للفهم المتبادل قد شارك في أنشطتها الآباء بشكل كبير من خلال الاستشارات التي قدموها لها. وربما يكون دلالة ذلك أن الآباء بدأوا يشكلون مجموعة قوية في المجتمع التعليمي.. ففي الماضي كان الآباء لهم دور من خلال الكنيسة مما أدى إلى دور كنسي قوي في النظام التعليمي، غير أن الحادث الآن هو إمكانية أن يبدأ الآباء في أن يعتمدوا على أنفسهم عند مناقشة السياسات التعليمية. وهذه المدارس التكاملية المختلطة الجديدة عملت بشكل مقصود على الإبقاء على التوازن الديني بين طلابها ومعلميها كما سعت إلى أن تعكس التقاليد الثقافية لكل من البروتستانت والكاثوليك في مناهجها.
وقد بلغ عدد المدارس التكاملية عام 1995م (28) مدرسة يتعلم بها 000.5 تلميذ.
وهذه الاستراتيجيات الثلاث قد وجد بينها نوع من التداخل، وخصوصاً فيما يتعلق بالعمل في برنامج التعليم للفهم المتبادل ومشروعات الاتصال.
وبدأ الدعم الحكومي لبعض هذه المبادرات يزداد. فعلى سبيل المثال تم تقديم لوازم إرشادية للعمل في برنامج التعليم للفهم المتبادل (
EMU). كما أنه في عام 1987م أقام قسم التعليم لأيرلندا الشمالية مشروع الاتصال بين المجتمعات (Cross Community contact sccheme) كما أن بعض الهيئات التعليمية المحلية قامت بتعيين خبراء لتدريب المدرسين على برنامج الفهم المتبادل، ولهذا الغرض أيضاً، تم إقامة العديد من المؤسسات المدعومة بواسطة الحكومة، وقد حظي موضوع العلاقات المجتمعية في التعليم بدعم مهم من خلال قانون الإصلاح التعليمي Education Rorm order عام 1969م، وهذا القانون ساعد على تقديم مناهج مشتركة لكل المدارس وتنمية القدرات المالية والإدارية لها ومنح درجة أعلى من الاختيار للآباء في تحديد وضعها. وبالتالي فإنه لأول مرة تدخل الحكومة في مسؤولية دعم المبادرات الجديدة في اتجاه تطوير المدارس التكاملية المختلطة. وكجزء من هذا الالتزام بالعلاقات المجتمعية فإن قانون الإصلاح التعليمي خلق إجراء بمقتضاه يستطيع آباء الطلبة في المدارس البروتستانتية أو الكاثوليكية أن يصوتوا لتغيير وضع المدرسة إلى مدرسة تكاملية. وجنباً إلى جنب مع إجراءات دعم المدارس التكاملية ومع الاعتراف باحتمال بقاء معظم الطلبة في مدارس انفصالية قائمة فعلاً فإن قانون الإصلاح التعليمي تطلب أن يكون هناك مقرر دراسي للفهم المتبادل للمواريث الثقافية إجبارياً في المناهج التعليمية بالنسبة لكل المدارس، ومن ثم فإنه لأول مرة أصبح مطلوباً من كل المدارس في ايرلندا الشمالية أن تبرز موضوعات العلاقات المجتمعية في مناهجها، ونتيجة لهذه الموضوعات فإن المدارس الانفصالية تم تشجيعها ولكن بشكل غير إلزامي للدخول في برامج اتصالية.
وفكرة «الثقافة المشتركة» من خلال «مناهج مشتركة» هي صعبة التطبيق لأسباب نظرية مثل الاختلاف الثقافي الذي يتمثل في أولوية الثقافة الأيرلندية عند البعض، وأولوية الثقافة البريطانية عند البعض الآخر بشكل يتطابق مع مسألة الاختلاف الديني وتلك هي المسألة الخلافية الأكبر التي تعترض فكرة «الثقافة ذات العناصر المشتركة»، وهناك أسباب تطبيقية كذلك تعترض فكرة الثقافة المشتركة فمسألة مدى اختلاف المناهج ـ وفيما تختلف ـ التي تقدمها كل من المدارس البروتستانتية والكاثوليكية غير واضحة. فالبحث يقترح أن المناهج الرسمية لهاتين المجموعتين من المدارس ليست مختلفة بشكل كبير، كما أن المناهج التي فيها اختلاف مثل «اللغة الأيرلندية» لا يكون الاختلاف فيها واضحاً. وهذا ليس معناه غياب الاختلاف، ولكن معناه أن إدراكه في شكل المناهج هو أمر يحتاج لكثير من العمل البحثي. وإضافة لفكرة التعليم الذي يقدم «ثقافة مشتركة» فقد تم تقديم فكرة التعليم الذي يحترم الديمقراطية، الصناعة المشتركة للقرار، التخفيف من حدة الحكم «الهيراركي» باعتبار أن هناك علاقة بين هذا النوع من التعليم وبين إمكانية احترام التعددية الثقافية.
الأزمة ـ التعليم ـ التوظيف
ويطرح أيضاً بالنسبة لمسألة تأثير الأزمة على التعليم مسألة العلاقة بين التعليم والتوظيف وتأثير الأزمة على تلك العلاقة، حيث إن السياسة الحكومية الحالية بشأن العلاقات المجتمعية تقوم على ثلاثة أهداف:
الأول: تشجيع فرص أكبر للاتصال بين البروتستانت والكاثوليك.
الثاني: تشجيع قدر أكبر من السماح بالتعدد الثقافي.
الثالث: التعهد بالحفاظ على «تكافؤ الفرص» وعدالة المعاملة، والهدف الأول والثاني تم تناولها في الحديث السابق. أما الهدف الثالث فهو يربط التعليم بسوق العمل في إطار هدف العدالة لسياسة العلاقات المجتمعية.
ونجد أن قضية التوظيف العادل والتحرر من الاضطهاد هي ذات أهمية خاصة في أيرلندا الشمالية منذ اندلاع الأزمة الحالية. وهناك قانونان لعدالة التوظيف، أحدهما صدر عام1976م والآخر عام 1989م، وهما يحرمان التمييز المباشر وغير المباشر في مسألة التوظيف بسبب الدين أو الرأي السياسي. ويطلبان من أصحاب التوظيف عدم التمييز بسبب الدين أو الرأي السياسي، ويطلبان من أصحاب العمل الذين يعمل لديهم أكثر من 10 موظفين أن يعرضوا التركيب الديني لعمالتهم ويقدموا هذه البيانات في تقرير سنوي إلى لجنة التوظيف العادل
Fair Emeloyment Commisison، وبالنسبة لتوظيف المدرسين في المدارس التكاملية فهو يقوم على أساس توازن ديني واقعي 60% ، 40% بالنسبة للبروستانت والكاثوليك على التوالي. وفيما يتعلق بقضية العلاقة بين التعليم والتوظيف وتأثير الأزمة عليها تطرح أيضاً قضية أن هناك اختلافات في الطبيعة المنهجية لكل المدارس البروتستانتية والكاثوليكية بشكل يؤدي في النهاية إلى التأثير على إمكانية التوظيف. فالطلبة في المدارس البروتستانتية يدرسون موضوعات ذات طابع علمي فني. أما الطالبة في المدارس الكاثوليكية فيدرسون موضوعات ذات طابع إنساني، وأثبتت الدلائل أيضاً أن خريجي المدارس الكاثوليكية لهم مؤهلات أقل من خريجي المدارس البروتستانتية. وهذا الاختلاف في القدرات يؤدي إلى التأثير على تكافؤ الفرص في سوق العمل. وهذا استدعى الحديث عن أسباب هذا الاختلاف في القدرات لأسباب متعلقة بالعدالة. وبالتالي بدأت سلسلة من الدراسات عام 1989م قامت بها المنظمة الاستشارية لحقوق الإنسان Standing Advisory Commisson on Human Rights (SACHR) وهي منظمة أنشئت وفقاً للقانون الدستوري عام 1973م وأثارت أبحاث تلك المنظمة عدداً من القضايا المهمة.
فالمدارس الكاثوليكية تتلقى 85% من احتياجاتها المالية في شكل منح للإنفاق الثابت والنسبة المتبقية تسمى المساهمة الاختيارية، وقد ذهب البحث إلى أن التزام السلطات في المدارس الكاثوليكية بالامداد بما يسمى بالمساهمة الاختيارية هو بمثابة عبء إداري إضافي عليها. بما أدى في النهاية إلى التأثير على مستوى التعليم في تلك المدارس الكاثوليكية. كما أثبت البحث أيضاً أن المدارس الكاثوليكية تتلقى دعماً أقل للنفقات الجارية. وأن آباء الطلبة الكاثوليك لديهم فرص أقل من آباء الطلبة البروتستانت لإرسال أبنائهم إلى المدارس الثانوية الاختيارية "
Grammar Schoolsس ونتيجة لذلك بدأت تلك المنظمة الاستشارية لحقوق الإنسان تطالب بأن يقوم قسم التعليم لأيرلندا الشمالية (DENI
) بصفة دائمة بمراقبة تأثير السياسة على نظام المدارس الدينية وأن يقوم بمراجعة تأثير ترتيبات المنح الثابتة وأن ينظر إمكانية زيادة عدد الأماكن المتاحة في المدارس الثانوية الكاثوليكية.
وفي التزام واقعي بمبدأ العدالة فإن قسم التعليم لأيرلندا الشمالية قد تحرك لتطبيق هذه التوصيات الثلاث، وقد شمل هذا على سبيل المثال دفع 7 ملايين جنيه استرليني لزيادة عدد الأماكن المتاحة في المدارس الثانوية الكاثوليكية. وكذلك اقتراح بزيادة منح النفقات الثابتة المتاحة للمدارس الكاثوليكية إلى 100%.
وقد تم وضع هذا الاقتراح موضع التنفيذ في بدايات عام 1994م، حيث سمح للمدارس الكاثوليكية التي تحدث تغييراً في «هيئات المحكمين» أن تحصل على منح ثابتة قدرها 100%.
ومن أعراض غموض الموقف أن عدم التوظيف والتمييز فيه «البروتستانت يحصلون على كل الوظائف والكاثوليك غير موظفين»، لا يعالج على مستوى مسؤولية الدولة، ولكن يعالج وفقاً لإطار الانقسام الديني والسياسي بين المجتمعين، حيث إن كل مجتمع يلوم الآخر في هذا التميز الوظيفي أكثر مما يضع المسؤولية على عاتق الدولة. بما يعني جعل مسألة الانقسام الطبقي والوظيفي في إطار من الانقسام الديني والثقافي.
وتقويم الموقف الحالي لبرامج التعليم من أجل الفهم المتبادل يشير إلى حدوث تقدم نوعي، فكل المدارس في أيرلندا الشمالية تلتزم بأن يكون لها سياسة مكتوبة في خصوص هذا البرنامج، وأن يكون هناك عضو في هيئة المحكمين بها معين لغرض مراعاة برامج الفهم المتبادل، وأن تشمل في تقريرها المكتوب لأولياء الأمور ما تحمله بالنسبة لهذا البرنامج، بالرغم من كل هذه التطورات إلا أن هناك صعوبات واجهت البرنامج، فالمدارس تختلف من حيث مدى التزامها وحماستها للبرنامج. كما أن المدارس في أيرلندا الشمالية بدأت تمر بتغييرات كبيرة بشكل أدى إلي إعطاء الأولوية لتلك التغيرات بخلاف برنامج التعليم للفهم المتبادل. وتشير التحليلات كذلك إلى تصاعد نمط العزل السكاني «الانفصال في أماكن الاقامة» لكل من البروتستانت والكاثوليك بما يصعب من مهمة المدرسة في مناطق يسيطر عليها كاثوليك أو بروتستانت في إيجاد أرضية للفهم المتبادل. كما تشير التحليلات أيضاً إلى تصاعد العنف في بعض الأماكن مما يصعب من مهمة المدرسة في تلك الأماكن في تنمية برامج الاتصال أو الفهم المتبادل.
نشر في مجلة (المعرفة) عدد (39) بتاريخ (جمادى الآخرة 1419هـ -أكتوبر 1998م)

 : http://www.bab.com